ذنوب الخلوات هي تلك الآفات التي يُبتلى بها بعض الناس عندما تغيب عنهم الأنظار، إنها تلك المخالفات التي يقع فيها كثير من الناس عندما يختلون بأنفسهم.
{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}
{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}
يا من خلوت بذنب ومعصية، يامن خلوت بترك واجب ألا تذكر رقابة الله تعالى عليك! لماذا تجعل رب العالمين أهون الناظرين إليك، أفلا تتق الله وترعوي عن هذا الغي في إجلال الله وتعظيمه؟
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}
ذنوب الخلوات علا خطرها واشتدت عقوبتها وجاء فيها ما جاء من الوعيد والتهديد والتحذير، ما سر ذلك وما سببه؟
إن ذنوب الخلوات تنبئ عن تهاوي تعظيم الله تعالى في قلب العبد ولذلك كانت عقوبتها في هذه المنزلة، قال بلال بن سعد: "لَا تَكُنْ لِلَّهِ وَلِيًّا فِي الْعَلَانِيَةِ وَعَدُوَّهُ فِي السِّر"
ذنوب الخلوات تميزت عن سائر الذنوب في أنها عنوان في ضعف تعظيم الله تعالى، عنوان لعدم إجلال الله تعالى، أجمع العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات [ابن القيم]
{رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
من أعظم وسائل توقي هذا الشر والسلامة من ذنوب الخلوات أن يستحضر الإنسان رقابة الله تعالى.
{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}
{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}
إن من وسائل الوقاية من ذنوب الخلوات الفزع إلى الله تعالى، الرجوع إليه، سرعة الأوبة بعد الغفلة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ" فهذا رجل قص النبي صلى الله عليه وسلم خبره أنه أذنب ذنبا فرفع يديه إلى الله تعالى يقول: "يارب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي، فيقول الله تعالى أذنب عبدي، علم عبدي أن له ربا يأخذ بالذنب ويغفر الذنب، اغفروا لعبدي، ثم يكرر مرة ثانية ومرة ثالثة حتى يقول الرب جل وعلى: اغفروا لعبدي ولعبدي ما فعل" إنما قال ذلك لكونه سريع الأوبة والرجوع إلى ربه جل وعلى فمن معالجة الخطأ في الخلوة أن تستغفر الله تعالى صادقًا من قلبك، تسأله جل وعلا أن يمحو الزلل وأن يزيل الخطأ وأن يستر عليك وأن يعفو ما مضى وكان من سيء العمل.
واستمع إلى ذلك الرجل الذي جاء يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: يا رسول الله أصبت امرأة في أطراف المدينة ونلت منها كل شيء إلا ما ينال الرجل من امرأته ثم قال فها أنا ذا فاقض فيا ما شئت، قال له عمر رضي الله عنه: لقد سترك الله لو سترت نفسك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في علاج هذه المشكلة: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} إذن من المعالجة إذا خلوت بذنب فاخل بطاعة، إذا أحدثت سيئة، فأحدث بعد السيئة حسنة حتى تمحها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا".
|