الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالقلب هو مرتكز كل صلاح ومبدأ كل فلاح، إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله، قال الله تعالى في محكم كتابه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} وهذه الآية هي من أوائل الآيات التي ذكر الله تعالى فيها صور الشرك، فذكر في أوائل ما ذكر من صور الشرك بعد ذكر التنديد: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، ذكر هذه الصورة وهي شرك المحبة لأنه الأصل الشائع أو لأنه الصورة الشائعة الكثيرة المنتشرة في ما يقع فيه الناس ويتورطون من محبة غير الله، القلب مفطور على أن يحب، لابد أن يحب القلب، فإما أن يحب ما ينفعه ويقربه إلى الخير، وإما أن يحب ما يورطه في الشر ويوقعه في حبائله ولذلك من المهم أن يعتني الإنسان بقلبه وينظر ماذا سكن قلبه وما الذي حل به مما يتعلق بالمحبوبات فإن أشرف المحبوبات حب الله وعنه تنبثق كل سعادة وبه تصلح الدنيا وتطيب الآخرة، "ألا وإن في الجسد مضغة" كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" صلاح القلب يكون بأن يعمر بمحبة الله وتعظيمه، ويعمر بسائر التقربات والعبادات القلبية، ينزه عن كل آفة تهلكه ومنه التعلق بغير الله، التعلق بغير الله له صور قد يصل به الحال إلى الشرك الأكبر كالصورة التي ذكرها الله تعالى في شرك المحبة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا} أمثالا {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} أي يصرفون لهم من المحبة ما لا يليق إلا بالله جل وعلا، فهؤلاء موعودون بالعذاب الأليم وهم من أهل الشرك والكفر الذين حرم الله عليهم الجنة، ومنه ما دون ذلك من أنواع المحاب التي في كل صورها إذا لم تكن لله كانت مبعدة له عن الله، ونخرج بهذا شيئا وهو المحبة الطبيعية، لكن المحبة الطبيعية إذا حالت دونك ودون طاعة الله، دونك ودون القيام بحقه، انضمت إلى المحبة التي تبعدك عن الله فتكون محرمة، فالمحبة المحرمة قد تكون شركًا وقد تكون معصية وقد تكون وسيلة للمعصية كما لو أسرف الإنسان في محبة شيء لكن لم يصل منها المباحات وتعلق به فهذا قد يوصله إلى أن يحمله على معصية الله ومعصية ما أمر به أو نهى عنه؛ لهذا من المهم أن نتفقد قلوبنا، وأعظم ما يبلى به الإنسان أن يفقد قلبه بأن يعلقه بغير الله تعالى فإن التعلق بغير الله وباء وبلاء وشر وشقاء، بخلاف محبة الله فإنها سعادة وطمأنينة وراحة تنقلب كل المشقات ملذات إذا صدق في حبه لله تعالى، وأما إذا لم يحب الله فتنقلب كل ما يتصوره أنه سعادة شقاء، ولذلك ما جاء في حديث عبدالله بن عكيم وفي إسناده ما قال لكن معناه صحيح: "من تعلق شيئا وكل إليه" أي خُلي بينه وبينه رفع الله عنه توفيقه، رفع الله تعالى عنه تأييده، حفظه، صيانته، فيوكل إلى ما تعلق به، فيكون بذلك مجبر للهلك، لهذا من المهم أن ننظر في قلوبنا وألا نتجاوز الحدود في محبة شيء من الدنيا، حتى في محبة الطاعة التي هي قربة لله تعالى إذا تجاوز الإنسان فيها يكون قد وقع في محرم، فمحبة الأنبياء، محبة الرسول، محبة الأولياء، محبة الصالحين إذا غلا فيها الإنسان خرج عن الصراط المستقيم وكانت وبالا عليه ومبعدة له عن الله عز وجل، فمن المهم أن يعرف الإنسان وزن هذا الحب، الأصل أن يكون كل حبك لله، لا يعني ألا يحب الإنسان والده، والدته، لا يعني ألا يحب أولاده وزوجه ومن يستحق المحبة من من حوله لا أبدا، هذا كله منه ما هو طبيعي ومنه ما هو طاعة، حب الوالدين هذا هو في الأصل طبيعي لأنه يحب المسلم والكافر كل مولود يحب والده في الأصل وكذلك العكس لكن إذا حمل على بر وعلى إحسان فكان ذلك طاعة وإذا حمل على طاعته في معصية الله كان ذلك معصية فينبغي أن نعرف أنه الأصل هي محبة الله وكل المحبات المحمودة منبثقة عن محبة الله، وكل المحبات المذمومة تصد عن الله.
|