المولد النبوي يتحدث فيه الناس خاصة في الربيع الأول ويثار كثيرا وثمة مسائل فيه تتعلق بهذا المسألة ونسأل عن ذلك كثيرا خاصة في مثل هذا الزمن
أولا ينبغي أن نعلم أن الله عز وجل أكمل لهذه الأمة الدين وأتمها عليه فأنزل الله عز وجل على نبيه قوله جل وعلا: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) يعني أن الشريعة قد اكتملت فكل شيء قد زاد على الدين في بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يتضمن شيئا من اتهام الديانة بالنقص
ما يتعلق من أمر الدنيا فإن الناس يزيدون في ذلك وينقصون ما شاءوا، من أفعال ومأكل ومشرب وملبس ومسكن وآلة وغير ذلك، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وهو ما يتعلق بجانب الديانة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (في أمرنا) يعني بذلك أمر الدين، وأن ما زاد عن ذلك فهو من شيء من أمور الإحداث، ولهذا قيده بقوله: (بأمرنا)
لهذا ينبغي أن نعلم أن الدين حينما أكمله الله عز وجل ليس لأحد أن يأتي بشيء من المستحسنات الذاتية أو الأمور العاطفية ثم يربطها ويجعلها من أمور الدين، لهذا الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كانوا أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعا فأمرنا الله بسلوك طريقهم
ولهذا يقول الله عز وجل في كتابه العظيم: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم) وسبيل المؤمنين هو طريق محمد عليه الصلاة والسلام والصحابة، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء أيضا في مسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) ما يوعدون: يعني من مخالفة أمره من آثار عقوبة الله عز وجل كذلك أيضا من آثار عدم رضا الله سبحانه وتعالى
بعض الناس يحاول أن يجعل ما يتعلق بجانب حب النبي عليه الصلاة والسلام وهذه وقفة ينبغي أن نشير إليها: أن بعض الناس يربط كثير من العبادات التي يحدثها التعلق بالنبي عليه الصلاة والسلام محبة، نقول: وجود المحبة ليس للإنسان أن يسوغ لنفسه إيجاد شيء من الأقوال والأعمال في دين الله ما لم يشرعه الله عز وجل
ولهذا اليهود والنصارى إنما وقعوا في كثير من الانحراف عن دينهم بهذا الجانب ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم) ومعنى الإطراء هو الإكثار بذكر المديح إشباعا لرغبة الإنسان في ذاته بالثناء على ذلك المحمود فوقعوا فيما يخالف أمر الله سبحانه وتعالى
لهذا النبي عليه الصلاة والسلام ما يتعلق بذاته من الصلاة عليه ومحبته واتباعه وإجلاله عليه الصلاة والسلام هو الأمر المقدر الذي مات عليه وما من أحد أعلم بميلاده من نفسه بعد والديه، ولهذا نقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام هو أعلم الناس بحاله فلهذا النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل عن يوم الاثنين، قال: (ذاك يوم ولدت فيه) يعني أن النبي يعلم اليوم الذي ولد فيه وهو أعلم الناس بذلك
كذلك أصحابه وهم أحب الناس إليه يحبهم ويحبونه عليه الصلاة والسلام وهم خير الأمة في بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا لم يفعلوا شيئا من ذلك بل لا يعرف الاحتفال بالمولد النبوي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في زمن الصحابة ولا التابعين ولا أتباع التابعين ولا كذلك أيضا بأتباع أتباع التابعين في زمن الأئمة الأربعة ومن جاء بعدهم، وإنما كان ذلك إحداثا في زمن العبيدين الفاطميين وذلك في القرن الرابع إما قيل في منتصفه وقيل في آخره
ولهذا نعلم أن مثل هذه الأمور التي لم تكن موجودة في القرون الأولى كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حيث ربط الخيرية بها كما جاء في الصحيح من حديث عمران بن حصين قال عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وجاء في رواية ثلاثا وقد جاء في رواية موضعين
لهذا نقول: إن مسألة الخيرية ينبغي أن نعلم أنها مربوطة بهذه القرون وما كان في الدين زائدا عن ذلك فهو من الإحداث والابتداع في دين الله سبحانه وتعالى
أما ما يتعلق بالجانب ما يذكره البعض في مسألة أن هذا يذكر في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ويتعلقون بذكر محامده ونحو ذلك نقول: ما يتعلق بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام نحن مربوطون بالتعلق بهدي النبي عليه الصلاة والسلام أقوالا وأفعالا لا اجتماعا بذكر المحامد مجردة فإن هذا لم يفعله الصحابة عليهم رضوان الله تعالى
ثم أيضا إن كثيرا من العلل التي يتعلق بها بعض المتصوفة ونحو ذلك الذين يتعلقون بحسن ظن بحسن قصد في الاحتفال مثل هذا الموضع في مثل هذا الموضع يتعلقون بذلك حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرا للسيرة بينما تجد كثير من الناس في مخالفته في سلوكه ويجهل أفعال النبي عليه الصلاة والسلام مع الآخرين في أفعاله مع زوجه وأهله وجاره وكذلك أيضا في تعامله في بيعه وشراءه، في تعامله مع خصومه وأصدقائه عليه الصلاة والسلام يجهل أمثال هذه الأحكام
التفقه بأمثال هذه الأحكام أولى من أن يأتي الإنسان في مثل هذه المواضع ثم يذكر شيئا من أحداث ووقائع لا يستطيع الإنسان أن يترجمها باعتبار أنها هي سير لحال الإنسان لا أفعالا وأقوالا أمرنا الله عز وجل باتباعه
لهذا نقول إن الدين إنما جاء وهو ما جاء به الله عز وجل وأنزله على رسوله عليه الصلاة والسلام ثم إن هذا الموضع أنكره الأئمة في كثير من المذاهب من المالكية والشافعية كابن الحاج والفاكهاني وكذلك تقي الدين المقريزي وابن تيمية وغيرهم من أئمة الإسلام من المذاهب الأربع، وهذا يكفي في ذاته أنه لم يكن موجودا في زمن القرون الأولى وإنما كان من الأمور المحدثة في دين الله عز وجل لهذا ينبغي أن نعلم أن الخيرية التامة هو أن ينتهي الإنسان إلى ما قد سمع من أمر الله سبحانه وتعالى
ثم أيضا إشارة إلى أمر مهم جدًا أن المولد مولد النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن معروفا بيقين ويختلف فيه المؤرخون يختلف فيه أهل السير قيل من قال إنه في ربيع الأول في اليوم الثاني وقيل في الثامن وقيل في العاشر وقيل في الثاني عشر وقيل في الثامن عشر وغير ذلك من الاحتمالات التي يضعونها
ولهذا نقول: تقييد ذلك وتعلق بيوم معين واستحضار شيء من المحبوبات في الذهن نقول: إن هذا لم يكن موجودا عند السلف، كذلك إشارة إلى أن الصحابة عليهم رضوان الله مع قربهم من النبي عليه الصلاة والسلام وكانوا يتعلقون به عليه الصلاة والسلام بل يقتتلون على وضوءه وبصاقه عليه الصلاة والسلام ما كانوا يسألونه عن يومه تعظيما لذلك فكانوا يتبعونه عليه الصلاة والسلام
بل عمر بن الخطاب حينما أرخ التاريخ لم يؤخره على طريقة أهل الكتاب بمولد نبيهم وإنما أرخه بهجرته لنعلم أننا نحن أمة عمل لا أمة زمن وحوادث لهذا العمل في ذلك أولى من التعلق بالأزمنة
|