أقول وبالله تعالى التوفيق: في هذه المسألة وجهان لأهل العلم:
الوجه الأول: أننا نُسرُّ ببسم الله الرحمن الرحيم، وذلك من أدلته التي استدل بها القائلون بذلك؛ حديث أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه وفيه: "صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون القراءة بـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ زاد مسلم في صحيحه: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم" إلا أن هذه الزيادة زيادة شاذة ولا تثبت.
فيبقى النظر في أصل الحديث: "صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾" فهذا القدر ثابت، لكن أوَّله بعض العلماء كالإمام الشافعي رحمه الله وقال: إن المراد به أنهم يستفتحون القراءة بالسورة التي فيها ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يعني بالفاتحة كما يقال صلَّ النبي صلى الله عليه وسلم العشاء بـ ﴿إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ﴾ يريد بالسورة التي فيها ﴿إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ﴾ ولم يرد أنه نفى البسملة أو أثبتها، فهذا اتجاه الشافعية.
ولكل فريق أدلة أُخر؛ فالشافعية استدلوا على الجهر بها بَنوا على أنها آية لأن الله قال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالفاتحة، ولا تكمل الفاتحة سبعا إلا إذا اعتبرنا البسملة آية منها، هكذا استدل الشافعية.
أما المالكية الذين قالوا بعدم قراءتها أصلا فاستدلوا بأدلة أُخر منها: الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قال الله: حمدني عبدي" فلم تُذكر البسملة ها هنا.
وثَمّ استدلالات أُخر لكل فريق.
فالحاصل أن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم أو الإسرار بها أو عدم قراءتها كل ذلك الأمر فيه واسع، والله تعالى أعلى وأعلم.
|