الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
بالنسبة للسنن الرواتب نقول: السنن الرواتب قد جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام بالحث عليها وكذلك أيضا عملها منه عليه الصلاة والسلام، وقد جاء في ذلك جملة من الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أم حبيبة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى لله في اليوم ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة) والمراد بذلك السنن الرواتب وما في حكمها إذا عجز الإنسان عن أدائها.
وكذلك أيضا فإن معنى السنن الرواتب هي المراد بذلك هي التي يلتزمها الإنسان كل يوم ويلتزم عددها على سبيل الدوام، فهي مؤقتة من جهة العدد ومؤقتة من جهة الزمان وكذلك أيضا من جهة الصلاة الفرضية، بحيث تكون قبلية أو بعدية.
وأما بالنسبة لعددها فنقول: قد جاء في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونجمعها في حديثين:
الحديث الأول: هو حديث أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى لله في اليوم ثنتي عشرة ركعة) وهذا الحديث قد أخرجه الإمام مسلم في كتابه الصحيح.
الحديث الثاني: هو حديث عبد الله بن عمر أنها إحدى عشرة ركعة وهي على أنها عشر ركعات، وهذا الحديث قد جاء في حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى كما جاء في الصحيحين أنه قال: (حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات).
والعلماء قد اختلفوا في هذا العدد تبعا لهذا الاختلاف الذي جاء في الحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب جماعة من الفقهاء وهذا قول الحنابلة وكذلك أيضا الشافعية إلى أن العدد في ذلك هي عشر ومنهم من قال إلى أن العدد في ذلك هو اثني عشر بناء على ما جاء في حديث أم حبيبة، وأن ما جاء في حديث عبد الله بن عمر إنما هو صورة حفظها، لا أنه حفظ الكل وهذا هو الأظهر؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي العدد الذي جاء في حديث أم حبيبة وربما صلى عشر ركعات.
وعلى هذا نقول: إن ثبوت هذه الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قطعية على أن أدنى الصلاة في ذلك هي عشر من جهة السنن الرواتب، وأكثرها في ذلك هي اثنتي عشرة ركعة كما جاء في حديث أم حبيبة عليها رضوان الله تعالى.
ومن العلماء من قال: إنها على اثنتي عشرة ركعة، وهذا الذي ذهب إليه جماعة من العلماء كأبي حنيفة وكذلك ابن تيمية ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
وأما بالنسبة لمواضعها: يعني أن الإنسان كيف يضع هذه الصلوات؟ نقول: قد جاء تفصيلها في حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله في الصحيحين وغيرهما، أنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين بعد صلاة الجمعة).
وجاء في بعض الطرق عن عبد الله بن عمر قال: (وسجدتين قبل صلاة الغداة) والمراد بذلك: هي صلاة الفجر.
وعلى هذا نقول: إن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك في أدائه للسنن الرواتب بأنها على هذا النحو: ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الفجر.
وأما بالنسبة إذا صلى الجمعة فإنه يصلي ركعتين، يعني ركعتين بعد الجمعة وليس ثمت قبلية مقيدة بالجمعة وإنما النافلة في ذلك مطلقة.
بالنسبة للسنة الظهر القبلية: قد جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حالتان:
الحالة الأولى: أنه كان يصلي ركعتين كما جاء في حديث عبد الله بن عمر أنه كان يصلي سجدتين قبل صلاة الظهر، وجاء في حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى في الصحيح (أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يدع أربعا قبل الظهر).
كما جاء عند البخاري في حديث إبراهيم بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن عائشة أنها قالت: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة).
وجاء تفصيل هذه الركعات من جهة الأربع في حديث عائشة عليها رضوان الله في صحيح الإمام مسلم من حديث عبد الله بن شقيق أن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في بيته أربعا قبل الظهر ثم يذهب فيخرج فيصلي في الناس ثم يدخل فيصلي ركعتين ثم يخرج فيصلي في الناس صلاة المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين ثم يخرج فيصلي صلاة العشاء ثم يدخل فيصلي ركعتين) وفي هذا إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم في فعله ذلك كان يؤدي ركعتي الظهر في المنزل أربعا ويؤدي أيضا بعدها في المنزل.
كذلك أيضا بالنسبة للمغرب والعشاء وركعتي الفجر، ودل على ركعتي الفجر أيضا حديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم واضطجاعه، وكذلك في حديث أبي هريرة، وكذلك أيضا في حديث عبد الله بن عباس.
وعلى هذا نقول: ما الجامع بين حديث عائشة وحديث عبد الله بن عمر في السنة القبلية لصلاة الظهر؟ نقول: إذا صلاها في المنزل فيصليها أربعا كما جاء في حديث عائشة (أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يدع أربع ركعات) يعني في بيتها، وأما إذا صلاها في المسجد فإنه يصليها ركعتين.
والعلماء عليهم رحمة الله تعالى قد اختلفوا في الأفضل في أداء النوافل على سبيل العموم، هل الأفضل في المسجد أم يؤديها في بيته؟
منهم من أخذ بعموم ما جاء في حديث زيد بن ثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) قالوا: فهذا عام سواء كان هذا من النوافل الراتبة أو كان من النوافل المطلقة ونقول في هذا: هذا هو الأصل أن الأصل في النافلة أنها تكون في المنزل.
بالنسبة للنوافل المطلقة فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتنفل في مسجده عليه الصلاة والسلام وحث على ذلك، منها ما يتعلق مثلا بتحية المسجد، منها ما يتعلق بصلاة المعتكف إذا اعتكف وجلس في المسجد وقد كان الصحابة عليهم رضوان الله كما في حديث أبي موسى كانوا يجلسون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء، ويلزم ذلك أنهم كانوا يصلون السنة في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام.
وعلى هذا نقول: إن الأفضل في الراتبة أن تكون في المنزل وأما بالنسبة للظهر إذا أراد أن يصليها ركعتين فإنه يصليها في المسجد، وأما إذا أراد أن يصليها أربعا فإنه يصليها في البيت كما جاء في حديث عائشة الجامع في هذا الأمر.
أما بالنسبة لصلاة العصر فهل لها سنة راتبة قبلها أو بعدها؟ نقول: لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أمر بذلك أو حث عليه، وقد جاء في ذلك بعض الأحاديث كحديث عبد الله بن عمر في المسند وكذلك أيضا في السنن من حديث عبد الله بن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا) وهذا الحديث قد ضعفه جماعة من العلماء كما ضعفه أبو زرعة، وكذلك أيضا في ظاهر قول أبو الوليد الطيالسي وجماعة من العلماء وعلتهم في ذلك محمد بن مسلم بن مهران، يروي عن جده عبد الله بن عمر، وجده في ذلك قد تكلم عليه بعضهم كأبي زرعة وغيره.
وعلى هذا نقول: إنه لا يثبت في هذا شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام من جهة الحث على ذلك.
جاء في هذا بعض الأحاديث عن علي بن أبي طالب وأعله بعضهم كما جاء عند الترمذي من حديث أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي وهو ضعيف، جاء من حديث أم سلمة وعبد الله بن عمرو وجاء أيضا من حديث غيرهم عن النبي عليه الصلاة والسلام وكلها ضعيفة.
على هذا نقول: لا يثبت سنة قبلية قبل العصر ولا سنة بعدية بعد العصر والأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة حتى حديث أم حبيبة الذي ورد فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في ثنتي عشرة ركعة من اليوم بنى الله له بيتا في الجنة جاء في بعض الروايات: أن ركعتين قبل العصر، نقول: هذه الرواية أيضا ضعيفة وذلك للانقطاع في هذا الحديث بين مكحول وعنبسة الذي يروي هذا الحديث عن أم حبيبة، لهذا نقول: جميع هذه الأحاديث لا تصح في أن للعصر سنة قبلية.
لكن يتنفل الإنسان ما شاء وذلك لأنه قد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين من حديث عبد الله بن مغفل قال عليه الصلاة والسلام: (بين كل أذانين صلاة) فيصلي بين الأذان والإقامة ما شاء وما قدر له، فيفعل ذلك ويتعبد سواء كان ذلك في صلاة العصر أم في غيرها.
الفرق بين السنة الراتبة والسنة المطلقة: أن السنة الراتبة لو التزم الإنسان عددها كان متبعا، ولو زاد على ذلك على سبيل الاعتراض فإنه لا حرج عليه، أما بالنسبة للنافلة المطلقة ليس للإنسان أن يلتزم عددا معين، لهذا الالتزام بالسنن الرواتب من المتأكد ولو زاد عليها فلا حرج عليه لكن من غير التزام عدد معين.
وكذلك أيضا نقول: ما يتعلق بالنوافل المطلقة من قيام الليل ونحو ذلك، الأفضل أن يكون في البيت إلا لمن كان معتكفا إذا كان معتكفا أو ملازما للمسجد فإنه يصلي في ذلك اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
والعلة التي لأجلها حث النبي على أداء السنن في البيوت، حتى لا تكون قبورا، كذلك أيضا حتى تشهد بذكر الله عز وجل بالقراءة ومطردة للشياطين وإبعاد لها وكذلك أيضا تسكينا لنفسه ولأهله في هذا الأجر.
وثمة أمر وهو ما يشير إليه بعض العلماء وهو أن بعض الناس يقول: أنه إذا كانت الراتبة الأفضل في البيت، فهل لي أن أصليها في المسجد خاصة إذا كنت أجد شرودا في المنزل وأجد خشوعا في المسجد، فنقول: قد جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قد سئل عن ذلك: عن الراتبة أيهما أفضل في المسجد أو في البيت؟ قال: أين تجد قلبك.
يعني ما يجد الإنسان في ذلك الخشوع، نقول: الخشوع هو أولى من المكان، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (فمن أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربن مصلانا) يعني حتى الجماعة لا يشهدها، لماذا؟ حتى لا يتأذى منه الناس. فالخشوع مطلب حتى للإنسان إذا كان الإنسان يخشع في المسجد فنقول يصلي في المسجد، فالخشوع هو آكد من موضع الصلاة فهذا هو الأظهر.
وبعض العلماء يتكلف في هذا ويرى أنه لا بد من الإتيان بالصلاة السنة الراتبة في المنزل لظاهر فعل النبي عليه الصلاة والسلام ومنهم من يفرق بين الراتبة النهارية والراتبة الليلية كمالك وأيضا رواية عن أحمد والثوري، نقول: الراتبة النهارية تكون في المسجد والراتبة الليلية تكون في البيت.
ونقول في التفريق بهذا الإطلاق نقول: فيه نظر، والصواب في ذلك نقول: بالنسبة للنهارية هي في الظهر فقط في الظهر نقول: ما يتعلق بالظهر إذا كانت ركعتين فتكون في المسجد وإذا كانت أربعا قبل الظهر فإنها تكون في بيته، وأما بالنسبة للبعدية فإنها تكون في بيت الرجل كما جاء في حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى.
والله أعلم.
|