السؤال: في صلاة العيد واختلاف أراء أهل العلم في قضائها في البيوت أو عدم قضائها، بعض الدول تكون هناك جهة مختصة في الفتوى؛ يعني مثلًا عندنا في الكويت لجنة وزارة الأوقاف، عندكم السعودية مثلًا لجنة دائم الإفتاء، ففي ظل هذه الظروف قد تحدث بعض النوازل منها إغلاق المساجد مثلًا، وإيقاف الجمعة والجماعات، تصدر فتوى من الجهات المختصة ثم تعمم على الناس في البلد، فهل من الحكمة لو كان الشخص مثلًا طالب علم يتبنى رأيًا مخالفًا لهذه الفتوى أن يناقش هذه الفتوى ويجيب عليها أو أن يجتمع الناس على هذه الفتوى في مثل هذه الأزمات؟
جواب الشيخ:
فأقول: إنه ليس من الحكمة أنه إذا صدرت فتوى رسمية لكي يجتمع الناس عليها، ولكي لا يحصل شيء من التفرق والاختلاف أن نشوش على الناس ببعض الآراء التي قد تكون صائبة وقد تكون غير صائبة، وأقل أحوالها، أقل أحوالها أنها غير صائبة إذا خالفت الأمر السائد في البلد، أو الأمر الذي صدر من جهة رسمية، هذا في أقل أحواله أنه غير صائب؛ لكونه خالف هذا التوجه للجهة الرسمية، وهذا التوجه يُقصد منه اجتماع الناس وعدم اختلافهم، أما كون نعمد إلى أن نشوش على الناس ببعض الآراء التي قد تكون صائبة في محل اجتهاد وقد لا تكون صائبة إلى آخره فهذا موضع نظر، وإذا تكلم الكبار ينبغي أن يسكت الصغار، والله -سبحانه وتعالى- قال: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ" النساء:83، هذا هو تعليم القرآن، ينبغي أن نكون تحت هذه المظلة العلمية التي جعلها ولي الأمر، وألا نعمد إلى التشويش عليها.
مَن كان يرى خلاف ما توجهت إليه هذه الجهة الرسمية فليحتفظ به لنفسه، وألا يعمد على أن يشوش به على عامة الناس؛ لأن هؤلاء العامة إذا أصبحت أنا سأنشر قولًا والآخر سينشر رأيًا إلى آخره، هذا سيحدث عندهم تشويش في عباداتهم، وقد لا يتمكنون من أداء العبادة كما أمر الله -عزَّ وجلّ-، لكن إذا كان هناك أمر أو قول سائد أُخذ الناسُ به، فإن العاميّ، خصوصًا إذا أتت به جهة علمية معتبرة، فإن العامِّي سيطمئن إلى عباداته، أما كوني أنا سأنشر قولًا والآخر سينشر قولًا ونشوش على هؤلاء العامة، فإن العامي سيكون عنده شيء من القلق والتعب، وما هو ذنبه في هذا؟
والحمد لله الأمر فيه سعة، أنت لست مسؤول عن عباد الله -عزَّ وجلّ-، المسؤول عنهم وليهم، هو الذي أصدر لهم هذه الفتوى، وهو الذي يرى أن هذا الذي يدين الله -عزَّ وجل-به، وهذا هو الذي تقتضيه مصلحتهم فنكون متبعين، وإذا كان الإنسان عنده شيء يخالفه لدليل اعتمد عليه، فهذا يعمل به في خاصة نفسه ولا يشوش به على إخوانه المسلمين، وكما ذكرنا المعتمد في ذلك هو قول الله -عزَّ وجلّ-: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ".
لاحظنا العبادات، لاحظنا أن كلها تدعو إلى الاتحاد وعدم الافتراق، ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركَع فاركَعوا، وإذا سجَد فاسجُدوا" وقال: "إنَّما جُعِل الإمامُ ليؤتَمَّ به فلا تختلِفوا عليه" صحيح البخاري، الشارع يريد منا خصوصًا في العبادات أن نكون جسدًا واحدًا ما نختلف، كالجسد الواحد لا نختلف، لا نتفرق، تكون عبادتنا واحدة، نعم، تكون عبادتنا واحدة، وعلى هذا فأنا أنصح إخواني أهل العلم وطلاب العلم ما دام أنه صدرت فتوى من جهة علمية معتبرة في البلد أن نسلم بهذه الفتوى، وهؤلاء العامة إنما هم على من أفتاهم، والذين أفتوهم لهم مساق في هذا الاجتهاد، وأما أن نعمد إلى التشويش أو ندخلهم في الحيرة والقلق، هذا لا تقتضيه المصلحة وهذا يخالف مقصد الشريعة؛ الاجتماع وعدم الافتراق وتأدية العبادة، وينبغي أن يكون الأفق واسعًا ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، وكما ذكرت المسلم عليه إذا كان له رأي من طلاب العلم يخالف به هذه الفتوى الرسمية العامة، عليه أن يحتفظ بها لنفسه ويطبقها على نفسه.
الله يحسن إليك شيخنا ويرعاك.
|