• الرئيسية
  • غرفة الهداية
  • تابعنا



السؤال:
تسأل عن حسن الخاتمة يا شيخ تقول: هي أمنية كل مسلم لا شك، فكيف تصل إلى هذه المنزلة؟
الجواب:

حسن الخاتمة هو أن يختم للإنسان بصالح من اعتقاد أو قول أو عمل وهذه فضيلة كبرى وهي نتيجة لما تقدم من خير يخفيه أو يظهره ولهذا صلاح الخاتمة ثمرة جمال المقدمة الخواتيم نتاج المقدمات، الله تعالى يقول: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أوليائكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة) هذه الآية الكريمة تبين أن حسن الخاتمة لأن التنزل (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا) هو في وقت الموت عند حضور الوفاة في سياق الاحتضار.
يقول الله تعالى (ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) وقال آخرون: إن التنزل هنا يكون عند الحاجة سواء في الاحتضار أو في مواطن الزلزلة والخوف والقلق يلقي الله في قلوب المؤمنين ما ذكره في هذه الآية من تثبيت الملائكة لهم فإن الملائكة تثبت المؤمنين وتربط على قلوبهم وتسدد أعمالهم.
فالله تعالى ذكر لتحصيل تزول الملائكة عملين: (إن الذين قالوا ربنا الله) فطاب قولهم بإفراد العبادة لله قولا وعقدا، (ثم استقاموا) أي صلحوا على الطاعة والإحسان.
والاستقامة هي لزوم الجادة لا يعني ألا يكون هناك خطأ أو خلل (كل ابن آدم خطاء) لكن الشأن كل الشأن في ألا يكون الخطأ هو الأصل إنما الخطأ عارض ويستعتب منه الإنسان ويستغفر ويتوب ويعود إلى الله عز وجل وينيب إليه سبحانه وبحمده وبهذا يحصل للإنسان حسن الخاتمة.
حسن الخاتمة أن يختم الله للعبد بعمل صالح بحال حسنة باعتقاد طيب ولا يلزم من حسن الخاتمة أن يموت وهو يصلي، يعني إذا مات موحدا لله عز وجل على التوحيد فهو قد حسنت خاتمته، إذا اقترن بهذا الاشتغال بعمل خير وعبادة كان هذا من الخير والفضل الزائد كما جرى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الذي وقصته راحلته فمات وهو محرم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر وحنطوه ولا تقربوه طيبا) ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وكفنوه في ثوبيه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) هذا من حسن الخاتمة أن يختم للإنسان بهذا، كذلك الذي يموت وهو يصلي، كذلك الذي يموت وهو في بر والديه: كذلك الذي يموت وهو في قضاء حاجة إخوانه، كذلك الذي يموت وهو يقاتل في سبيل الله كل هذه من الخواتم الحسنة والنهايات الطيبة.
كذلك الذي يموت موحدا فإنه من حسن الخاتمة، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي وغيره من حديث معاذ بن جبل، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) هذا من حسن الخاتمة.
حسن الخاتمة أن يوفق لعمل صالح وأن يموت عليه نسأل الله أن يرزقنا ذلك وأن يجعلنا ممن يختم له بخير.
الذي أريد أن أصل إليه في جواب هذا السؤال أن حسن الخاتمة ليس أمرا فجائيا في الغالب هو نتاج مقدمة يكون ذلك بإصلاح العمل وقت السعة (من عرف الله في الرخاء عرفه الله في الشدة) ووفقه الله تعالى لخاتمة حسنة ومحوره الصلاح ومناطه الاستقامة ومفتاح حسن الخاتمة صلاح القلب فإن القلب الصالح يوفق صاحبه إلى خاتمة جميلة حسنة.
ولذلك يجب على المؤمن أن يعتني بصلاح قلبه واستقامة فؤاده على التوحيد والطاعة لله عز وجل ومحبة الخير والإحسان إلى الخلق والسلامة من الأمراض من الكبر والعجب والرياء وسائر ما يكون من الآفات التي تكون في القلب قد تظهر في مواطن الشدة فيكون ذلك من الخواتم السيئة (والأعمال بالخواتيم) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ففي الصحيح من حديث سهل بن سعيد رضي الله عنه أن رجلا أبلى في معركة بلاء حسنا فلم يترك شاردة ولا واردة من الكفار إلا أتى عليها وقد عجب الصحابة من صنيعه وشدة قتاله وحسن بلاءه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه في النار)! خبر مفاجئ صادم، هذه حاله وهو في النار كيف يكون هذا! فانتدب أحد الصحابة لهذا الرجل فتبعه لينظر حاله فكان على ما وصف من القتال حتى إذا أثخنته الجراح، يعني أخذت منه الرماح والسيوف كل مأخذ فآلمه ذلك ألما شديدا فما كان منه إلا أن وضع ذبابة سيفه بين ثدييه، يعني رأس السيف جعله على صدره، حتى اتكئ عليه فخرج من ظهره فذهب الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال للصحابة الذين سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا) أو قال: (هو من أهل النار) فقال: أشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله حقا! قال: (وما ذاك؟) قال: الرجل الذي قلت فيه كذا حصل معه كذا وكذا حتى إذا أثخنته الجراح وضع سيفه بين ثدييه فاتكئ عليه حتى خرج من ظهره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم).
قد يقول قائل: كيف هذا! البواطن أمرها إلى الله نحن عندما نشاهد صلاحا ظاهرا نقول هذا صالح وهذا تقي وهذا نقي ونثني عليه بما هو ظاهر وهذا هو الواجب علينا نحن لسنا مكلفين عن أن نشق عن قلوب الناس ولا أن ننقب عن أفئدتهم إنما شأننا فيما ظهر من أحوال الناس، بواطنهم إلى الله الذي يعلم السرائر جل في علاه فهو الذي يعلم السر وأخفى سبحانه وبحمده لكن الشأن الذي ينبغي أن نهتم به أنا وأنتَ وأنتِ وجميع المؤمنين والمؤمنات هو ألا يكون في قلوبنا مرض خفي على الناس وسترناه عنهم والله تعالى قد علمه واطلع عليه فإن هذا المرض يوشك أن يكون سببا لسوء الخاتمة حتى لو بدا للناس صلاحنا حتى لو أثنى علينا الناس، أي أعظم من ثناء الصحابة على هذا الرجل بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يقول: (هو في النار).
طبعا ما منا أحد يملك أن يقول هذا القول لشخص من الناس فالنبي موصول بحبل من السماء ينزل عليه الوحي صباح مساء لكن نحن لا نستطيع أن نحكم على سرائر الناس إنما نستطيع أن نقول أن هذا الحديث ينبهنا إلى ضرورة العناة بما أخفته صدرونا العناية بحسن السريرة العناية بالعمل الباطن العناية بالقلب ولا نغتر بجمال ظواهرنا وحسن مناظرنا فالله لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسامنا بل ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا.
فلذلك من المهم للمؤمن أن يكون ذا عناية فائقة بقلبه وإصلاح عمله وأن يكون بينه وبين الله حسن صلة في السر بصدقة بصلاة بدعاء بإخبات بتلاوة قرآن بإحسان خفي فإن هذه السريرة التي بينك وبين الله لها أثر بالغ في جمال الصلة بينك وبينه سبحانه لأنها عنوان الصدق عربون المحبة عربون الصلاح والاستقامة أن يكون بينك وبين الله سر لا يعلم به الناس حتى أقرب الناس إليك لا يعلمون به.
احرص أن تكون على هذا فإذا اطلع الناس على عملك وظهر هذا شيء ليس لك فيه شأن هذا لا يفسد العمل هذا من الله عز وجل لكن ينبغي أن تحرص على أن يكون بينك وبين الله عز وجل سريرة طيبة وبهذا تدرك حسن الخاتمة.
كل من طلب حسن الخاتمة فليتذكر قوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) فنحقق هذين الشرطين أن يكون قولك وعقلك محققا لتوحيد الله عز وجل وهو طيب القول والاستقامة ودوام الطاعة والانتهاء عن المعصية ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
اللهم أعنا على طاعتك وأحسن لنا الخاتمة يا رب العالمين.

تاريخ إصدار الفتوى غير معلوم
مكان إصدار الفتوى بدون قناه
تاريخ الإضافة الأربعاء ٢٤ سبتمبر ٢٠١٤ م
حجم المادة 8 ميجا بايت
عدد الزيارات 1058 زيارة
عدد مرات الحفظ 236 مرة