هذا سائل يسأل يقول:
هل المسلم مُخيَّر أم مُسيَّر؟ فإن كان مكتوبٌ عليه أنه من أهل النار، فلماذا يشقى ويتعب في العبادات من حجٍّ وعمرة وصلاةٍ وصيامٍ وزكاة ثم هو من أهل النار؟ أرجو إعانتي للخروج من هذا القلق النفسي الذي ينتابني بارك الله فيكم.
جواب الشيخ -رحمه الله-:
أولاً كلمة مُخيَّر أو مُسيَّر كلمة مُبتدَعة ليست صحيحة، فليس الإنسان مُخيرًا في أن يتخذ هو الطريق الذي يشاء، ولا هو مُسيَّر بمعنى أنه مُجبَر على طريق لا بد أن يسلكه، وإنما الإنسان يسير بقضاء الله -تبارك وتعالى- وقدره، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
وكل إنسان قد خلقه الله -تبارك وتعالى- لطريق يسير فيه، كما قال -صلى الله عليه وسلم: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له، أمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، وأَمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ الشَّقَاءِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ" صحيح البخاري.
فمشيئة الله غالبة، مشيئة الله -تبارك وتعالى- غالبة، والإنسان يفعل ويشاء، لكن في الآخر مشيئة الله -تبارك وتعالى-، كما قال -تبارك وتعالى-: "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" الإنسان30: 31، قال -جل وعلا-: "إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا" الإنسان: 29، ثم قال: "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا".
وجاء رجل للنبي فقال له: يا رسول الله، أعمالنا هذه فيما جرت به المقادير، أم أن الأمر أُنُف؟ فقال النبي: "فيما جرت به المقادير"، فقال: ففيمَ العمل إذًا إذا كان كل إنسان مكتوب له خاتمته؟ فقال النبي: "اعملوا فكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلق له، فمَن كان من أهل السعادة فسيُيسَّر لعمل أهل السعادة، ومَن كان من أهل الشقاوة فسيُيسَّر لعمل أهل الشقاوة.
فلا شك أن مقادير الخلق قد كتبها الله -تبارك تعالى- قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة، وهي مكتوبة فلان هذا وفلان.. وتُكتَب كتابة ثانية عندما يُنفَخ في الإنسان الروح، فإن المَلَك عندما يأتي الرَّحِم وينفخ فيه الروح يقول: أي ربي، ما رزقه؟ ما عمله؟ ما أجله؟ شقيٌّ أو سعيد؟ ذكرٌ أو أنثى؟ فيُكتَب أنه شقي أو سعيد عند نفخ الروح، وهذا من الكتابة الأولى، فيُولَد هذا شقي وهذا سعيد.
فهذا أمر منتهي، لكن الإنسان عليه أن يعمل، يعني يختار الخير ويسعى فيه، فكلٌّ مُيسَّر، كلٌّ مُيسَّر إلى ما خُلق له.
ثم هذا الإنسان الذي يسأل السؤال يقول: إذا كنت أنا شقي.. يقول عن نفسه: لِمَ العمل إذًا؟ طيب وما يُدريك أنك شقي؟ ما يُدريك أنك شقي؟ يقول: لِمَ العمل؟ لِمَ التعب في العبادة؟ لا، اختر الطريق واجتهد واحرص على ما ينفعك وسِر في طريق الله -تبارك وتعالى-، والإنسان إذا اجتهد وعمل يسر الله له، كما قال -تبارك وتعالى-: "فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى" الليل5: 10.
فالمطلوب منا أن نبذل الأسباب، وننشد الهداية ونطلبها من الله -تبارك وتعالى- ونسعى فيها، ونقول: يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ونمشي ونسير في هذا.
لا يعرف أحدٌ مآله ولا نهايته كيف يكون، والله العالم بمصائر خلقه -سبحانه وتعالى-، وأنت إيش عليك؟ اعمل اللي عليك وبعدين بقى خلاص، اعمل اللي عليك، فالذي عليك أيها الإنسان أنك تسعى في عمل الخير، تسعى في طريق الهداية تعمل فيه، وتلوم نفسك إذا سرت في غير هذا الطريق، والأمر بعد ذلك بيد الله -تبارك وتعالى-، وأن تدعو بأن يختم الله لك بخاتمة الإيمان، وأن لا يُزِغ قلبك بعد إذ هداك، هذا الواجب عليك.
وأما كل شيءٍ بقَدَر، كله بقَدَر: العاجز والكيّس، رزقك مُقدَّر، أجلك مُقدَّر، رزقك مُقدَّر، لو مكتوب لك تمرة هتأكلها قبل الموت ستأكلها، ولو اجتمع أهل الأرض على أنهم ينزعوك هذه التمرة ولا يعطوك إياها لن يستطيعوا؛ لأنها خلاص مكتوبة.
فرزقك يا ابن آدم مكتوب، وأجلك مكتوب، وعملك مكتوب، ونهايتك مكتوبة، والأمر كله لله -تبارك وتعالى-، فيجب أن نُسلِم أمورنا لله -تبارك وتعالى- ونعتقد أن الله -تبارك وتعالى- هو المتصرف في خلقه بما يشاء -سبحانه وتعالى-، هذا الذي على الإنسان. والحمد لله رب العالمين.
|