• الرئيسية
  • غرفة الهداية
  • تابعنا



السؤال:
هل خوف الدولة –أي دولة– من تطبيق الشريعة بحجة أن العدو ممكن يساهم في إسقاطها أو غير ذلك، هل هذا مبرر لتركها بمعنى أنها تعرف أنه لو طبقت الشريعة سيكون فيها تسلط الأعداء بحيث إنهم يسقطون الدولة كاملة.
الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
بالنسبة لحكم الله عز وجل وتطبيقه في الأمم والشعوب، الله عز وجل قد بين أن تطبيق حكمه وامتثال أمره عبودية له جل وعلا، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) وكذلك في قول الله سبحانه وتعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) فالمعنى من قوله جل وعلا: (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) المراد بالربوبية هنا في هذه الآية: هو ألا نجعل أنفسنا ولا أنفسكم مشرعين لبعضنا فلا نحن نستأثر بالأمر ولا أنتم وإنما حكم الله عز وجل هو الفصل، ولهذا قال الله عز وجل: (يقص الحق) يعني الحكم البين الظاهر ويحد الحدود
فنقول: إن حكم الله سبحانه وتعالى واجب من جهة تطبيقه، والخروج والمروق منه والتشريع من دون الله عز وجل بتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله كفر لا يختلف العلماء في ذلك بالقوانين والدساتير وغيرها، وهذا مما لا يختلف فيه أحد وإذا علمنا ذلك أدركنا أن هذا المقصد وتحقيقه هو من الأصول العظام الذي لا تقدم عليه الأشياء الأخرى مما يتعلق مثلا باقتصاد أو ما يتعلق بمضايقات أو ربما أيضا بتأليب إعلامي أو نحو ذلك
نقول: لا عبرة ولا اعتداد بذلك والله عز وجل قد أمر بالحكم وأمر بالتحاكم وأمر بالحكام أن يحكموا وأمر بالناس أن يتحاكموا، فالخطاب جاء لأمرين:
جاء لمن كان في علو وهم الحكام
ولمن كان في دنو وهم المحكومون
ولهذا يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) أي الناس يتحاكمون عند الحاكم، والحاكم قال الله عز وجل فيه: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك)
بالنسبة للأعداء نقول: إن حكم الله عز وجل وتطبيقه لا بد أن يجد مخالفين، والمخالفون في ذلك هم أصحاب الأهواء وأرباب الشهوات والمصالح الخاصة، لأن حكم الله عز وجل عادل يقطع المصالح الشخصية وكذلك المطامع والأهواء، وخاصة فإن أعداء الله عز وجل في حكمه في تشريعه جل وعلا على نوعين:
النوع الأول: أهل كتاب
والنوع الثاني: ما يتعلق بالمنافقين
بالنسبة لأهل الكتاب: الشرك في أهل الكتاب أنهم جعلوا التشريع في أحبارهم ورهبانهم، أي في أسيادهم ووجهائهم وقادتهم ولم يجعلوه في حكم الله سبحانه وتعالى مما أنزله الله عز وجل في التوراة والإنجيل وهذا الشرك في أهل الكتاب ظاهر في قول الله عز وجل: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم كما جاء عند ابن جرير الطبري وغيره، يقول عدي بن حاتم عليه رضوان الله: أتيت للنبي عليه الصلاة والسلام وعليّ صليب فقال عليه الصلاة والسلام: (انزع عنك هذا الوثن) قال: فنزعته يعني الصليب، ثم سمعتُ النبي عليه الصلاة والسلام يتلو قول الله جل وعلا: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) قال: فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنا لا نتخذهم أحبارا ورهبانا، لا نتخذ أحبارنا ورهباننا معبودين من دون الله عز وجل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أليس إذا أحلوا ما حرم الله أحللتموه، وإذا حرموا ما أحل الله حرمتموه؟) قال: نعم، قال: (فتلك عبادتهم)
إذا أدركنا أنه إذا شرعنا لمجاملة طرف إما لضغوطات دولية أو ما يتعلق أيضا بتهيب إعلامي من نقد وغير ذلك فغيبنا تحكيم شرع الله عز وجل إذا لا قيمة لإرسال الرسل وصراع الأنبياء، والنبي عليه الصلاة والسلام في كفار قريش حينما نادى وأوذي وطرد وكذلك أيضا قاتل لأجل الله، بل لأجل أن يقيم العدل في الناس
ولهذا تجد النبي عليه الصلاة والسلام يأمر أصحابه أنهم إذا غزو أي اليهود والنصارى ألا يجبروهم على الإسلام، ولكن يجبرونهم على حكم الله عز وجل وامتثاله، وهذا ظاهر في قول الله عز وجل في ابتداء الأمر كان النبي عليه الصلاة والسلام مخير في الحكم بين اليهود والنصارى يقول الله جل وعلا: (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) يعني أنت بالخيار
ثم نسخت إلى حكم هو أعلى من ذلك وأشمل، يقول الله جل وعلا: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك)
العداوة الأولى على ما تقدم هي عداوة لليهود والنصارى من الضغوطات الدولية وهذا أمر مشاهد في الأمة، نجد أن اليهود والنصارى يحرصون على أن المسلمين يرتدون عن دينهم، وبين الله عز وجل إلى أن غاية الرضا حتى تتبعوا ملتهم، وملتهم في ذلك هي التشريع والنظام وكذلك أيضا التشويش والتلبيس فيما بدلوا من شريعتهم، ولهذا الله عز وجل حذر نبيه عليه الصلاة والسلام في قوله جل وعلا: (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك)
وكذلك أيضا في حال كفار قريش لما كانوا مع النبي عليه الصلاة والسلام، وكان يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام باتباع الحق والهدى، فبين للنبي عليه الصلاة والسلام (إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) (نتخطف من أرضنا) يعني تأتينا القبائل والأمم والشعوب ونضعف حينئذ، وكذلك أيضا يخشون الفقر والفاقة وغير ذلك، هذه أيضا من تسويل الشيطان.
المنافقون هم النوع الثاني الذين يتهيبون حكم الله سبحانه وتعالى بين الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام في مواضع عديدة وفي سياقات عديدة أنه يجب عليه أن يقيم حكم الله عز وجل فيهم وألا تأخذه بهم رأفة في حكم الله سبحانه وتعالى، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) جاء في تفسير هذه الآية عن جماعة من المفسرين كما جاء عن قتادة وكذلك أيضا أبي العالية رفع عن ابن مهران وجاء أيضا عن الربيع وعن أبي جعفر أنهم قالوا ما معنى مقصوده: لا تظهر منهم معصية إلا وأقمت عليهم الحد وحكم الله عز وجل، وحكم الله عز وجل بامتثال أمره لأنهم يكرهون ذلك فالله عز وجل سمّى هذا الأمر هو جهاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أولئك
إذا حكم الله عز وجل والعدل لا بد أن يكره إلا لطرف واحد أو من الطرفين، إما من الطرف الواحد باعتبار أن الحق أعطي إلى غيره فذاته ستتشوه بالأثرة والانتصار، وإما أن يكون أيضا بكلا الطرفين بقسمة الحق بينهما فلم يرض هذا ولم يرض هذا وكل هذا يحتاج إلى شيء من الانصاف
وهذا إذا كان في المسلمين ولهذا يروى في بعض الآثار قال: إن نصف الناس أعداء للقاضي أو الحاكم هذا إن عدل. يعني إن عدل فنصف الناس عدو له، وإذا بغى فكلهم أعداء له، ولهذا نقول: إن حكم الله عز وجل يحتاج إلى الصبر، يحتاج إلى القوة، يحتاج إلى الثبات، يحتاج إلى العزيمة
هناك بعض الأصول التي يتكلم عنها العلماء بمسألة غض الطرف في بعض الأحوال لا في أصل المسألة كما غض النبي عليه الصلاة والسلام الأمر في حال عبد الله بن أبيّ وذلك لبعض المصالح الشرعية وبعض المقاصد جعلها النبي عليه الصلاة والسلام ولكنها قضايا أعيان لا تنقض بها الأصول
لهذا نقول: أعظم ما يقصد في تحكيم الشريعة ما يحكم في الدين هو حفظ شريعة الله سبحانه وتعالى، إذا تهيبنا من جهة الاقتصاد ومن جهة ما يتعلق بالسمعة مثلا الخارجية وغير ذلك فنقول حينئذ: متى يطبق حكم الله عز وجل؟ والنبي عليه الصلاة والسلام وهو النبي حذره الله عز وجل من هذا، من أعظم الأمور التي يؤكد عليها ما يتعلق بحكم الله عز وجل وتنزيله وتطبيقه في الأمة
نجد أن الغرب بأطرافه سواء كان ما يتعلق بأوروبا أو بأمريكا، وأوروبا على اختلاف أنواعها ما يكون مثلا من الفرنسيين أو الإنجليز وغيرهم نجد أن هؤلاء لديهم دساتير ونظم ويسابقون إلى فرضها في العالم وكل دولة تحاول أن تجعل نظمها ودستورها عند تلك الدولة وتقوم مثلا بدعم ذلك الدستور وذلك القانون، ولذلك تجد ثمت ولاءات، ولاءات لهذه الدولة والولاءات الأخرى من الامتداد القديم، إنما دول الإسلام تجد أنها متفرقة ولا تحب أن غيرها يكون أحسن منها في دينها، يعني هذا أيضا لديها أثرة حتى في الحق، بل تحارب الحق ألا يكون لديها وهذا يدل على أنهم إنما ينظرون لدين الله عز وجل إلى أنه حظوة أو له عمق استراتيجي لا عبودية ربانية
لهذا نقول: ينبغي لنا مع الحق الذي نكون فيه أن نصدره للناس أيضا وأن نوجههم وأن ندعمهم وأن نبين أن هذا الأمر هو حكم الله عز وجل الذي أنزله الله عز وجل للناس
كذلك أيضا القصور الموجود في حكم الله عز وجل في كثير من دول الإسلام، كثير من دول الإسلام للأسف الشديد تتهيب من تحريم الزنا وهذا أمر مشهود حتى في بعض دول الخليج تجد أن لديهم الزنا برضا الطرفين مباح ولا يحرمونه إلا إذا كان علانية، كذلك ما يتعلق بأمور الربا وما يتعلق أيضا بالأمور المحرمة من شرب الخمر وما إلى ذلك، فتجد أيضا في بعض المطارات في بعض الدول ممن تجعل له أسواق حرة ونحو ذلك كل هذا تهيب من أن يلام المسلمون من أولئك الغرب
نقول: إن المسلمين بحاجة إلى عزة بحاجة إلى قوة بحاجة إلى اعتداد بدينهم، فكيف يستحى من أناس يحلون نكاح المثليين وهو اللوطية وكذلك الزنا أو يحلون نكاح البهائم بل وصلوا إلى نكاح المحارم ويضعونه في البرلمانات، هل يجوز للرجل أن يتزوج أخته وأن يتزوج أمه ونحو ذلك ويجعلون ذلك للتصويت
مثل هذا الأمر هل هؤلاء يستحى منهم في تطبيق حكم الله عز وجل؟ لماذا لا يكون ثمت أصوات حتى من الحكام والسلاطين أن يعتدوا بدينهم في دول الإسلام بمطالبة أولئك بالحق وبالعدل ونفي البعد عن هذه الفطرة؟ لذلك نقول: إن الغرب هم مبتعدون عن الفطرة لا عن الشرعة، بعيدون عن الفطرة التي خلق الله عز وجل إلا أن يكون ثمت وحي
لهذا نحن بحاجة إلى إعادتهم إلى الفطرة الإنسانية البشرية وترك هذا المسخ الفطري قبل أن ندعوهم إلى توحيد الله عز وجل، لهذا نقول: نحن بحاجة إلى جمعية تنادي الغرب بالعودة إلى الفطرة ونسميها جمعيات الفطرة وندعوهم إليها وندعوهم إلى الإنسانية الحقيقية التي دعا إليها الإسلام قبل تبديلها
الله عز وجل يقول في كتابه العظيم: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) هؤلاء بدلوا خلق الله فلم يستوعبوا شرعة الله، ولم تتعرف الفطرة ولم تتعرف الشرعة على التبديل الموجود، لهذا نقول: الفجوة العظيمة والهوان العظيم الموجود عند المسلمين شعوبا وكذلك أيضا حكاما بهذا الهيبة والتهيب للغرب من نقدهم لا نحرم الخمر ولا نحرم الربا، هذا التضييق ينظر لنا الغرب كذا، لماذا لا ننظر لهذا المسخ الفطري ونناديهم، لماذا لا ينادي ويوجد رؤوس وقادة في المسلمين ينادون رؤساء الغرب ورؤساء أوروبا وأمريكا ويقولون: لماذا وصلتم إلى هذا الحد من البعد عن الفطرة من إباحة الزنا وإباحة اللواط وإباحة نكاح المحارم والبعد عن الفطرة البشرية السوية التي تعرف للإنسان هذا الحق وتعرفه من الباطل، وندعوهم إلى هذا الحق
وهذا للأسف الشديد النداءات باسم القرآن وباسم السنة وتوجيه الناس لم يوجه بها حكام المسلمين لشعوبهم فضلا أن يؤدون ذلك إلى الغرب لهذا نقول: إن أزمة الأمة الإسلامية هي أزمة قيادة كما أنها أزمة شعوب أصلح الله عز وجل الأحوال

- أنتقل فقط إلى نقطة وهي مرتبطة بالنقطة الأولى وهي أننا نلاحظ الآن بعد الثورات وبعد حديثها أنه أحيانا يكون هناك مجموعة من الشباب يسيطرون مثلا على قرية أحيانا أو منطقة أو حي، ثم يبدؤون فورا بتطبيق الشريعة يعني أحيانا قد يكون بطريقة حتى أهل المنطقة يتضايقون منها، ما توجيهكم في ذلك؟

هذه مسألة متعلقة بتطبيق الشريعة في بلد حرب لم تستقر ولم يتمكن فيها الناس هذه المسألة ما يتعلق بتطبيق الشريعة في بلدان الحرب نقول: قد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن الشريعة من جهة تطبيقها في زمن الحرب والغزو لا تطبق إلا ما يتعلق بالدماء، والدماء محل استثناء وهذا محل اتفاق عند العلماء باعتبار أنها من حقوق الآدميين فلا بد من القضاء فيها، وقد جاء ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عمرو بن شعيب عند أبي إسحاق وغيره
قال: إن الشريعة أو تطبيق الشريعة من جهة الحدود أنها لا تطبق في بلدان الحرب، جماعة من العلماء وهذا مروي في حديث بسر بن أرطأة عند الإمام أحمد وكذلك عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقام الحدود في الغزو) وهذا الحديث قد تكلم فيه بعضهم ولكن جاء ما يعضده عن جماعة من السلف، جاء من حديث مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال: (لا تقام الحدود في الغزو) وجاء أيضا عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى كما جاء عند البيهقي وغيره قال: (لا تقم عليهم الحد فتدركهم الحمية حمية المشركين) وهذا القول في عدم إقامة الحدود ذهب إليه جماعة من العلماء وهو قول الأوزاعي وقول أبو حنيفة
القول الثاني: قالوا بأن الحدود تقام في الغزو وفي غيره وهذا جاء عن الإمام مالك والشافعي وكذلك أيضا المشهور عن الإمام أحمد رحمه الله وقالوا: إن الشريعة جاءت بالعموم
والقول الثالث: في هذا قالوا بأن الحدود تؤجل باعتبار أنها لا تسقط ولكنها تؤجل، وتأجيلها في ذلك يكون في زمن السلم وفي بلدان المسلمين في حال ورود التمكين وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله
وإذا نظرنا إلى هذه الأقوال وما جاء في ذلك نجد أن جماعة من السلف وجماعة من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يقولون: بعدم إقامة الحدود في الحرب، والعلة في ذلك كما جاء عند البيهقي وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إليه في رجال قد شربوا الخمر هل يقيمون عليهم الحد أم لا؟ فكتب إليهم عمر بن الخطاب: لا تقيموا عليهم الحد فتدركهم الحمية حمية الجاهلية فيلحقوا بالمشركين
والسبب في هذا أنه في زمن الصراع والاحتدام وفي حال الحروب وعدم الاستقرار والتمكين فالذي أراه والله أعلم أنه ينبغي أن تؤجل الحدود ولو أسقطت مع شيء من التأديب لكان هذا هو الأنسب وخاصة في ورود آثار عن جماعة من السلف في هذا، فنقول: إن هذا هو الأصلح والأنسب في هذا
وهل في عدم إقامة الحدود في الغزو والحرب وعدم ورود التمكين في ذلك يعني عدم ورود اللوم وعدم ورود الشريعة من جهة التشريع نقول: بل يهجر ويغلظ عليه في القول وكذلك أيضا إذا كان معه شيء من المنكرات يحال بينه وبينها، فلا يمكن الناس من الزنا يقال: إن في بلد حرب يزنوا، أو مثلا يشربوا الخمر، ولكن نقول: في مسائل العقوبة العلماء عليهم رحمة الله يتكلمون عن العقوبة لا يتكلمون على التشريع
التشريع يشرعون بشرع الله عز وجل ولكن إنزال العقوبة في مثل هذا ينظر إليها بحسب إمكانها فهذا هو الذي يتكلم عليه العلماء عليهم رحمة الله تعالى في الخلاف السابق
فالذي يظهر والله أعلم أن التمكين في ذلك على مراتب:
من العلماء أو من الأحوال من لم يتمكن على الإطلاق، فهذا يبدأ بالتشريع ويبدأ من جهة العقوبات في ذلك بأعلى الأمور، أعلى الأمور والتي لا يساوم فيها ما يتعلق بتوحيد الله عز وجل، توحيد الله عز وجل ببيانه وكذلك أيضا بالعقوبة إليه في حال مثلا ورود دخل الإنسان الإسلام وخرج منه بالردة فينظر إليها بحسب حالها
وكذلك أيضا ما يتعلق بما لم يكن من الحدود، بعض العقوبات ما يتعلق بالواجبات الشرعية في بلد لم يستقر الاستقرار فإنه لا ينبغي مواجهتهم بما يتعلق ببعض المسائل من أمور الفروع وذلك مثلا في بلد قد طال عليه العهد بالكفر والشرك والضلال وغير ذلك أن يشدد عليهم فيما يتعلق بإغلاق المحلات التجارية للصلاة أو ما يتعلق مثلا بعقوبتهم على بعض المحرمات وكذلك أيضا الممارسات من شرب الدخان وغير ذلك، فيقال: إن هذا يبين لهم الحق في المساجد وفي التعليم وفي الإرشاد ونحو ذلك
لماذا؟ لأن هذا الأمر في تفشيه في بلد قد غاب عنه دين الله عز وجل لمدة قرن أو أكثر من ذلك وربما قرون أو عقود متباعدة ولديه ما هو أعظم من ذلك، هذا يقتضي عقوبة الجميع وإن اختلفوا في تنوع المعاصي وهذا ربما ينفرهم من ذلك
ولهذا جاء عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: إنك ما أمرت الناس بالإسلام جملة إلا تركوه جملة. يعني ينبغي للإنسان أن يعطيهم ذلك الأمر تدرجا، وهذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأحوال، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يفرق بين مسلم في بلد الإسلام قد دخل في حياض الإسلام واستقر، وبين رجل يريد أن يدخل إلى الإسلام فيتألف قلبه بشيء من التنازل الذي لا يخرجه من الملة حتى لا يدخل في تبديل الإسلام
ولهذا جاء عند الإمام أحمد في كتابه السنن من حديث نصر بن عاصم عن أبيه عن رجل منهم من ثقيف أن رجلا جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله إني أريد أن أبايعك على أني لا أصلي إلا صلاتين! فبايعه النبي عليه الصلاة والسلام على ألا يصلي إلا صلاتين! والمراد في هذا من قوله: إلا صلاتين، يعني أنه يؤمن بالخمس، يؤمن بخمس صلوات ولكن من جهة العمل يريد أن يصلي صلاتين، فالنبي عليه الصلاة والسلام قدم مصلحة دخوله الإسلام بصلاتين لأنه لا يكفر بهذا الترك الجزئي ما لم يترك الصلاة بالكلية، لأنه لو اشترط أن يدخل ولا يعترف بالصلاة دخل إلى الإسلام بنية التبديل، فيبقى على شرك محض أو كفر، والمعتبر في هذا التبديل
ولهذا نقول: إن في مثل هذه الأشياء التي لا تخرج الإنسان من الإسلام وتبقيه في دائرة الكفر، نقول: يتسامح فيها بحسب الحال والتمكين
ثم أيضا إن الحكام الذين يلون بعض البلدان التي تمكنت من الكفر أو قوانين كفرية أو نحو ذلك فنقول: إنهم على حالين:
الحالة الأولى: الذين يؤسسون للكفر بتشريع نظام أو دساتير كفرية، فهؤلاء هم الذين يبنون الكفر، فنقول حينئذ أن هذا الذي لا يساوم فيه باعتبار أنهم يشرعون من دون الله عز وجل على ما تقدم
النوع الثاني: الذين يأتون على كفر ظاهر بيّن فهؤلاء يقومون بحلّ وإزالة الكفر على سبيل التدرج لأنهم ما بنوه، لأنهم لم يبنوا ذلك الكفر وهؤلاء ينظر إليهم بحسب تمكينهم وبحسب قدرتهم يزيلون أعلى الكفر على سبيل التدرج، وهذا كحال النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من أحواله بدأ بأعلى الشرائع من توحيد الله عز وجل ثم إزالة الكفر على سبيل التدرج وربما يحمل عليه ما كان من حال يوسف عليه السلام لما تولى مع العزيز لماذا؟ لأنه لم يكن لديه تمكين في الحل والأمر العام فكان في ذلك قد أتى على أمر من الشرعة التي لم تكن على أمر الله سبحانه وتعالى
ولهذا يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) دين الملك المراد بذلك: هو تشريعه ونظامه، هذا التشريع والنظام لم يبن بأمر يوسف وإنما كان قبله فجاء عليه، وهذا الأمر من جهة أنه إذا كان يزيله ويتدرج في ذلك فينظر في هذا الأمر
ولهذا نقول: ربما يكون بعض الأخيار وبعض الصالحين والذين لا يبدو منهم كفر بقول أو فعل فإن هذا الأمر ينظر إليه بحسب حالهم وبحسب قدرتهم وإمكانهم ولهذا نجد أن أشد الناس كفرا من البشر فرعون عليه لعائن الله، نجد أن من أقرب البطانة إليه زوجه آسيا بنت مزاحم، وزوجه آسيا بنت مزاحم هي من نساء الجنة الأربع كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع.. وذكر منهم: آسيا بنت مزاحم) وهي زوجة فرعون، وكانت بطانة لهم، ولكن في ذلك نجد أنها لم تفعل شيئا يخالف أمر الله سبحانه وتعالى ولكنها كانت مجاورة له في مثل هذا الأمر، نجد أنه ما يتعلق بقربها منه، ربما لقوة وسطوة فرعون، وكذلك أيضا قوامة الرجل على المرأة مما يجعلها تضعف من جهة الاختيار.
فنقول: القهر والغلبة في ذلك ينظر إليها بحسب حالها وتمكين الإنسان من ذلك
ولهذا نقول: لا يتهم الإنسان إذا كان يستظل بمظلة كفر أو ولاية كفر أو قرب من كفر حتى ينظر إلى قدرته، ويحاكم إلى قلبه وفعله لا لمجرد وجوده، مجرد وجود الأجساد والأبدان في ظل أو تحت مظلة أو ولاية لا ينظر إليها بل يحاكم في ذلك إلى قول الإنسان وفعله، ماذا قال وماذا فعل، لأنه ربما وجوده في ذلك يحل من عقد الضلال ما لا يدركه أحد وهؤلاء أمرهم إلى الله سبحانه وتعالى

تاريخ إصدار الفتوى الإثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠١٣ م
مكان إصدار الفتوى دليل
تاريخ الإضافة الأحد ٠١ سبتمبر ٢٠١٩ م
حجم المادة 148 ميجا بايت
عدد الزيارات 733 زيارة
عدد مرات الحفظ 118 مرة